سورة المؤمنون - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأوَّلُونَ} أي: كذبوا كما كذب الأولون. {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} لمحشورون، قالوا ذلك على طريق الإنكار والتعجب. {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا} الوعد، {مِنْ قَبْلُ} أي: وعد آباءنا قوم ذكروا أنهم رسل الله فلم نر له حقيقة، {إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} أكاذيب الأولين. {قُلْ} يا محمد مجيبا لهم، يعني أهل مكة، {لِمَنِ الأرْضُ وَمَنْ فِيهَا} من الخلق، {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} خالقها ومالكها. {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} ولا بد لهم من ذلك لأنهم يقرون أنها مخلوقة. {قُلْ} لهم إذا أقروا بذلك: {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} فتعلمون أن من قدر على خلق الأرض ومن فيها ابتداء يقدر على إحيائهم بعد الموت. {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}. {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} قرأ العامة {لله} ومثله ما بعده، فجعلوا الجواب على المعنى، كقول القائل للرجل: من مولاك؟ فيقول: لفلان، أي أنا لفلان وهو مولاي. وقرأ أهل البصرة فيهما {الله} وكذلك هو في مصحف أهل البصرة، وفي سائر المصاحف، مكتوب بالألف كالأول، {قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} تحذرون. {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} الملكوت الملك، والتاء فيه للمبالغة، {وَهُوَ يُجِيرُ} أي: يؤمن من يشاء {وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} أي: لا يؤمن من أخافه الله، أو يمنع هو من السوء من يشاء، ولا يمنع منه من أراده بسوء، {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قيل: معناه أجيبوا إن كنتم تعلمون.


{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي: تخدعون وتصرفون عن توحيده وطاعته، والمعنى: كيف يخيل لكم الحق باطلا؟ {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ} بالصدق {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فيما يدعون من الشريك {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} أي: من شريك، {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} أي: تفرد بما خلقه فلم يرض أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره، ومنع الإله الآخر من الاستيلاء على ما خلق. {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي: طلب بعضهم مغالبة بعض كفعل ملوك الدنيا فيما بينهم، ثم نزه نفسه فقال: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} قرأ أهل المدينة والكوفة غير حفص: {عالم} برفع الميم على الابتداء، وقرأ الآخرون بجرها على نعت الله في سبحان الله، {فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي: تعظم عما يشركون، ومعناه أنه أعظم من أن يوصف بهذا الوصف. قوله: {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي} أي: إن أريتني، {مَا يُوعَدُونَ} أي: ما أوعدتهم من العذاب. {رَبِّ} أي: يا رب، {فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي: لا تهلكني بهلاكهم. {وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ} من العذاب لهم، {لَقَادِرُونَ} {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: ادفع بالخلة التي هي أحسن، هي الصفح والإعراض والصبر، {السَّيِّئَةَ} يعني أذاهم، أمرهم بالصبر على أذى المشركين والكف عن المقاتلة، نسختها آية السيف {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} يكذبون ويقولون من الشرك.


{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ} أي: أمتنع وأعتصم بك، {مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} قال ابن عباس: نزعاتهم. وقال الحسن: وساوسهم. وقال مجاهد: نفخهم ونفثهم. وقال أهل المعاني: دفعهم بالإغواء إلى المعاصي، وأصل الهمز شدة الدفع. {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} في شيء من أموري، وإنما ذكر الحضور لأن الشيطان إذا حضره يوسوسه. ثم أخبر أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت، فقال: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} ولم يقل ارجعني، وهو يسأل الله وحده الرجعة، على عادة العرب فإنهم يخاطبون الواحد بلفظ الجمع على وجه التعظيم، كما أخبر الله تعالى عن نفسه فقال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر- 9]، ومثله كثير في القرآن. وقيل: هذا الخطاب مع الملائكة الذين يقبضون روحه ابتداء بخطاب الله لأنهم استغاثوا بالله أولا ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة الرجوع إلى الدنيا. قوله تعالى: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} أي: ضيعت أن أقول لا إله إلا الله. وقيل: أعمل بطاعة الله. قال قتادة: ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله، فرحم الله امرءا عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب، {كَلا} كلمة ردع وزجر، أي: لا يرجع إليها، {إِنَّهَا} يعني: سؤاله الرجعة، {كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} ولا ينالها {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ} أي أمامهم وبين أيديهم حاجز، {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} والبرزخ الحاجز بين الشيئين، واختلفوا في معناه هاهنا، فقال مجاهد: حجاب بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا. وقال قتادة: بقية الدنيا. وقال الضحاك: البرزخ ما بين الموت إلى البعث. وقيل: هو القبر، وهم فيه إلى يوم يبعثون. {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} اختلفوا في هذه النفخة، فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنها النفخة الأولى {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض} [الزمر- 68]، {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر- 68]، {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} [الصافات- 27].
وعن ابن مسعود: أنها النفخة الثانية، قال: يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينصب على رءوس الأولين والآخرين ثم ينادي مناد: هذا فلان ابن فلان، فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه، فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده وولده أو زوجته أو أخيه فيأخذ منه، ثم قرأ ابن مسعود {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}.
وفي رواية عطاء عن ابن عباس: أنها الثانية فلا أنساب بينهم أي: لا يتفاخرون بالأنساب يومئذ كما كانوا يتفاخرون في الدنيا، ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا: من أنت ومن أي قبيلة أنت؟ ولم يرد أن الأنساب تنقطع.
فإن قيل: أليس قد جاء في الحديث: «كل سبب ونسب ينقطع إلا نسبي وسببي».
قيل: معناه لا يبقى يوم القيامة سبب ولا نسب إلا نسبه وسببه، وهو الإيمان والقرآن.
فإن قيل: قد قال هاهنا{وَلا يَتَسَاءَلُونَ} وقال في موضع آخر: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} [الصافات- 27].
الجواب: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن للقيامة أحوالا ومواطن، ففي موطن يشتد عليهم الخوف، فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون، وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9